# # # #
   
 
 
[ 30.08.2008 ]
المؤتمر التمهيدي الثاني


الخطاب الافتتاحي للمقاتل عبد العزيز خالد عثمان

التحالف الوطني السوداني / قوات التحالف السودانية

المؤتمر التمهيدي الثاني

(1-5 يوليو 2001م ـ الأراضي المحررة)


الخطاب الافتتاحي للمقاتل عبد العزيز خالد عثمان

رئيس المكتب التنفيذي وقائد قوات التحالف

المقاتلات والمقاتلين المؤتمرين،

 السلام عليكم ورحمة الله

 نبدأ دائماً بتحية أرواح شهدائنا .. شهداء الانتفاضة الشعبية المسلحة .. أبطال السودان الجديد .. وطلائع الحرية والتجديد .. الذين مضوا من أجل العدالة والمساواة، وحملونا أمانات غالية، نجتهد جميعنا لنكون على قدرها.  أطلب من المؤتمرين أن نقف دقيقة حداداً على أرواح شهدائنا الأبرار.

 لا شك أن انعقاد مؤتمرنا التمهيدي الثاني هو منعطف أساسي، وسانحة غالية في مسيرة حركتنا الفتية.  إن دلالات قيام هذا المؤتمر عديدة، لكن من أهمها هو حرصنا على أن تتأسس الممارسة الداخلية للتنظيم على الديمقراطية، وأن تصبح الحكمة الجماعية لعضويتنا هي موجهنا، وراسم رؤانا المستقبلية.  لقد عقدنا مؤتمرنا التمهيدي الأول في العام 1995، وأعقبناه بمؤتمر موسع للقطاعات والمكاتب في 1997، والآن نعقد مؤتمرنا التمهيدي الثاني، ونتمنى أن نعقد مؤتمرنا التأسيسي الجامع في أول فرصة تتبدل فيها ظروف الشتات هذه .. في وطننا السودان .. «السودان الجديد» بالطبع .. أو على الأقل سودان ما بعد النظام الإرهابي الحالي.  ولعلنا نفارق إرث العمل الثوري الممركز، بإصرارنا على ممارسة أكبر قدر ممكن من الديمقراطية الداخلية، وفي كل الظروف.

 إن هذا المؤتمر هو بالضرورة وقفة لتقييم الأداء، ومراجعة ما تم، وتصحيح السار.  لقد قطعت حركتنا في عمرها القصير شوطاً مديداً بحساب التجارب والتراكمات .. جاءت ولادة حركتنا تلبية لتطلعات مشروعة لقطاعات واسعة من جماهير شعبنا، وضرورة أوجبتها الأحلام الموءودة والآمال المجهضة لأمتنا عبر عقود طوال، ولقد أثبتت الأيام والوقائع أن رؤانا كانت واضحة وصحيحة، وكانت الأقرب لفهم طبيعة الأزمة السودانية، ودليلنا على ذلك أن لغتنا أصبحت مصطلحات أساسية في الخطاب السياسي الراهن، وأن مقترحاتنا صارت ثوابت لا تستطيع تجاوزها كل أطروحات الخروج من الأزمة الراهنة، وهذا ليس مدعاة للفخر بقدر ما هو مؤشر نتحسس به خُطانا، ونقيِّم به تجاربنا.

 كانت شعاراتنا الأساسية ـ وما زالت ـ  حية تُعبِّر عن المصالح الحقيقية لجمـاهيرنا، فعندما رفعنا شعار بناء الدولة المدنية الديمقراطية الموحدة في مؤتمرنا التمهيدي الأول  ـ على الرغم من علمنا أن المهمة العاجلة أمامنا هي إزالة نظام الجبهة الإرهابي ـ  كنا نريد أن نؤكد أن قضيتنا مهما تعددت الوسائل والأدوات هي قضية سياسية، وأن أهدافنا هي أهداف سياسية، ولعل هذا انعكس حتى في تسميتنا  لهيئتنا القيادية.

 واليوم نرفع شعار: «نحو بناء حزب جماهيري»، مُثبِتين على أن أدوات النضال المختلفة تفقد قيمتها إذا لم تكن الجماهير مادتها الأساسية، ووقودها الدافع .. فهي المُستَهدَفَة بغايات النضال النهائية، وهي التي ينبغي أن تصيغ هذه الأدوات والغايات.

 وطَرَحنا «الانتفاضة الشعبية المسلحة»، وقَصَدْنا بها مُجْمَل المقاومة المسلحة والجماهيرية، الهادفة لإجبار نظام الجبهة الإرهابي على الخضوع لإرادة ومشيئة الجماهير.  وعندما فجّرنا الطلقة الأولى كنا نعلم أننا نُفجِّر ثقافةً جديدةً لم تعهدها المعارضة السودانية خارج جنوب وطننا .. ولعل تلك العقلية القديمة هي ما شقَّ عليها استيعاب تساوي أدوات النضال المختلفة في خط واحد، بما فيها العسكري والسياسي، وبالتالي استيعاب فكرة الحركة السياسية العسكرية، ومظاهر هذا كله نجدها أحياناً في الجدل حتى حول اسم حركتنا.  لم نعني بالانتفاضة الشعبية المسلحة العنف الأعمى، بل المقاومة العنيفة التي ولّدها فهمنا العميق والدقيق لطبيعة نظام الجبهة الإرهابي، الذي سطا على السلطة في 30 يونيو 1989، وأودى بنظام ديمقراطي مُنتخب، فكان ذلك انتصار لقوى الظلام والتخلُّف، وهزيمة لقوى التجديد والتنوير.

 انعكست رؤانا السياسية على نهجنا في العمل العسكري، وتكتيكاتنا الميدانية، فكانت حرب العصابات هي أنجع السبل لضعضعة آلة النظام القمعية، وكان تمسكنا بالأرض فقط بالقدر الذي يضمن لنا تواصلاً مباشراً مع جماهيرنا في الأرياف، وبالقدر الذي لا يكلّفنا خسائر بشرية باهظة.  كنا  ـ وما زلنا ـ  صادقين في منازلة طغمة الجبهة، وقدّمنا أرتالاً من الشهداء والجرحى، وفشلنا بالمقابل في أشياء أساسية، منها ـ على سبيل المثال ـ  أن يكون لدينا طبيب دائم بالأراضي المحررة.

 ولأننا لا نطرح أنفسنا كتعبير سياسي وحيد عن سودان ما بعد الجبهة، انخرطنا في كل أشكال العمل المسلح المشترك تحت راية التجمع الوطني الديمقراطي، وحاولنا دائماً أن نُنَجِّح تجاربه، وأن نغذيها برؤانا الخاصة، فكنا دائماً أول المساهمين وآخر المنسحبين .. بالطبع لم تمضي مسيرتنا في العمل المسلح في خط تصاعدي متصل، بل تذبذبت وتأثرت بعوامل عديدة، أهمها حرب القرن الأفريقي التي أثّرت علينا أكثر من بقية فصائل المعارضة الأخرى، لأنها بالأساس قطعت تواصلنا بين الجبهتين، ومنعت إيصال الدعم بأنواعه، وقفلت منافذ التجنيد الأساسية.  كذلك أثّر علينا الضعف المادي، وأقعدنا في مجال العمل العسكري، مثلما أثّر علينا في كل محاولات عملنا، لكننا رغم هذا نرى أن مستقبل العمل العسكري مفتوح على التوسع والتنوع في كل المواقع من وطننا، التي تتواجد فيها ميليشيات النظام الإرهابي.

 وفي مستوى داخلي أكثر، حَرَصْنا على أن تكون فلسفتنا في مجال التنظيم فلسفة زاهدة تناسب إمكانياتنا المادية والبشرية، وتتماشى بالأساس مع ظروف الشتات التي تُمفصِل تنظيمنا بصورة متباعدة، ونجحنا إلى حد ما، وأخفقنا بصورة ملحوظة في مجال التواصل التنظيمي الداخلي، ونطمح أن يُعالِجَ مؤتمرنا هذا تلك الجوانب.

 كذلك تعرّضنا تنظيمياً لانتكاسات أساسية، أهمها انشقاق النيل الأزرق العنصري في 1997، والذي تعاملنا معه بديمقراطية وشفافية أدهشت حتى المنشقين أنفسهم.  وكذا محاولة الانشقاق الفاشلة التي قادها مدير «منظمة أمل»، ثم محاولة رئيس الدارة السياسية السابق .. والأخيرتين بدأتا بمحاولات لجرّ التنظيم إلى مواقع لا تتفق مع رؤيتنا للتغيير المطلوب، ولا لوسائله .. ولاحقاً حاولا استغلال تكليف رئيس الدائرة السياسية السابق داخل التنظيم في التآمر ضد التنظيم، وضد عضويته، وذلك عندما أدركوا أن سعيهم ذلك لا محالة سوف يقودهم لمربع خارج التنظيم، فكان قرارنا بتنحيتهم من تكليفاتهم .. وعندما أدركنا أنهم ماضين في خطهم، فصلناهم لاحقاً.  لم نكن مُجحِفين أو متحاملين في التعامل معهم، ودليلنا على ذلك هو المواقع المختلفة  ـ أو المتخلّفة ـ  التي يقفون فيها الآن.

 في مجال التنظيم أيضاً ينبغي أن ينشغل مؤتمرنا هذا بإجازة الوثائق التي توضح هياكلنا التنظيمية، وأن يُعنى بصورة خاصة بمسألة توسيع قاعدة المشاركة في اتخاذ القرار، وتبادل السلطة، وخلق الجسد الوسيط بين المؤتمر العام والمكتب التنفيذي.  ولا بد أيضاً من النظر بصورة متعمّقة في تجربة عملنا التنظيمي في الداخل، ولا بد من تقييم دقيق لما حققناه، وما يجب أن نحققه في العمل الداخلي، فهو أساس عملنا المستقبلي .. وأُحيي هنا مقاتلينا بالداخل الذين تمكنوا  ـ بالرغم من التربص الأمني الدائم بهم ـ  من عقد مؤتمرهم العام، وانتخاب هيئاتهم الجديدة .. وأحيي بصورة خاصة قطاع المرأة بالداخل، الذي أثبت فعالية وروح قتالية عالية في أساليب عمله، وهنا أتوجه بالتحية للمقاتلة «أمل»، ولممثلات التحالف النسوي بالداخل، وعبرهُن أُحيي كل النساء السودانيات اللائى ضَرَبْنَ أمثلة ساطعة في مقاومة الأنظمة القمعية، وفي مواصلة النضال من أجل انتزاع حقوقهن الأساسية.

 في تقييمنا العام، حققنا نجاحات معقولة في الجانب الإعلامي، وذلك بحجم إمكانياتنا، ولا زلنا نعتقد أننا يمكن أن نحقق المزيد إذا أحسنّا استخدام ما لدينا الآن، وخاصة إذاعة صوت الحرية والتجديد، التي يصعُب ذكرها دون الإشادة بالدور الكبير الذي ظل يلعبه المقاتلين العاملين بها، تحت كل الظروف القاهرة، وبأقل الإمكانيات.
 سيكون من الطبيعي الحديث عن الإمكانيات المادية والدعم كلّما حاولنا تقييم أي مجال من مجالات عملنا، لكننا نكتفي بالقول إجمالاً أن ضعفنا المالي ليس فقط سبباً في تقليص حدود عملنا وخططنا، بل هو سبب مباشر في إطالة عمر النظام الإرهابي المتهالك، الذي يوظف كل إمكانيات البلد والحرب من أجل البقاء في السلطة.  ويجب أن يكون واضحاً لدينا أنه دون الدعم المادي الضروري، تبقى كل خُططنا ومشاريعنا حبر على ورق.  كما يجب على هذا المؤتمر أن يُقَيِّم تجاربنا في مجال إيجاد مصادر للدعم المادي، وأن يقترح البدائل العملية لحل هذه المشكلة .. بمقابل هذا الضعف المادي، نحن نزداد كل يوم ثراء في مجال فن المقاومة والابتكار.

 يُعقَد مؤتمرنا التمهيدي الثاني هذا في ظل ظروف استثنائية في تاريخ وطننا، حيث تتفاقم أزمة النظام الإرهابي، ويُشرِف على التداعي والانهيار، وتتضح نواياه الحقيقية الغير صادقة نحو السلام والتعددية.  في هذا الوقت نحتاج لكل الطاقات والعزائم من أجل تشديد الضغط العسكري على آلة النظام القمعية، ومن أجل تعضيد الوحدة الفكرية السياسية لحركتنا، ولمجمل «قُوى السودان الجديد»، وذلك في وجه محاولات النظام اليائسة لإطالة عمره، هذه المحاولات قد تأخذ في ظاهرها شكل التنازلات السياسية الجزئية، التي قد تبلغ مدى كبيراً يوهم البعض بصدقها، ويدفع المُهَروِلين للمصالحة والقبول بأي حلّ على علاّته.  لكن يجب أن يكون واضحاً لدينا أن هذا النظام غير صادق في كل مساعيه للسلام، وأن معيار صدقه لدينا هو قبوله الصريح بالأسس التي تُمهّد لقيام دولة التعددية الحزبية، وحكم القانون والديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، وتخليه عن نهجه الأحادي في الانفراد بالسلطة والثروة، وفرض الهيمنة الثقافية والاجتماعية على الآخرين.  أي أننا نفهم الحل السياسي الشامل كتفكيك للدولة الإقصائية القائمة.  كما يجب أن يكون واضحاً لدينا أن الحلول التي تُعيد إنتاج أزمة السودان القديم ليست حلولاً، بل مسكّنات تتعامل مع ظاهر الأزمة السودانية، وتُهمل جوهرها الذي تزيده الأيام تعقيداً وتأزماً، ومثل هذا الحلول هي أيضاً إهدار لتضحيات جسام ظلّ يُقدّمها شعبنا منذ اليوم الذي سَطَتْ فيه الجبهة الإسلامية على السلطة، بل على مدى تاريخ الدولة السودانية الحديث.

 لقد تحركنا بصورة واسعة في مجال العلاقات الخارجية لشرح طبيعة الأزمة السودانية ووجهة نظرنا للخروج منها للأشقاء والأصدقاء، ولدول الإقليم والمجتمع الدولي، وحققنا نجاحات ملموسة في بعض المناطق مكنتنا من توصيل رؤانا، ومن تأسيس قاعدة علاقات مستقبلية.  وفشلنا في مناطق أخرى نتيجة لرؤى تقليدية بالية نحو القوى الجديدة، وطبيعة الأزمة السودانية بشكل عام.

 قصدتُ أن لا أدخل في كل التفاصيل في هذا الخطاب الافتتاحي لأترك الفرصة للجان التي سوف تُشكّل لمناقشة كل جانب من جوانب مؤتمرنا.  وختاماً أقول أن انعقاد مؤتمرنا هذا في الميدان يؤكد مشاعر صادقة، واحترام كبير تكنّه عضويتنا في المكاتب لمقاتلينا المرابطين في الدفاعات والأراضي المحررة، كما تُعزّز إحساس كبير بالفخر والانتماء يحمله المقاتلون هنا لكل مقاتلينا بالمكاتب والداخل.  وبحجم الإعداد الذي تم، وبهذه الروح التحالفية العالية، أنني أتوقع لكم مداولات واضحة وصريحة وقرارات راجحة .. إنني أتوقع لنا جميعاً مؤتمراً ناجحاً، يدفعنا جميعاً نحو بناء حزبنا الجماهيري الطليعي.

 ولا أنسى في الختام أن أشيد بالمساعدات والتضامن المستمر من أصدقائنا، وأن أشيد أيضاً بالجهد الاستثنائي الذي بذلته اللجنة التحضيرية بأسمرا، وقيادة الميدان، وعدد من المكاتب لإنجاح هذا المؤتمر .. وأعلن الآن بدء مؤتمرنا التمهيدي الثاني.

مـا ينــــــوم

والسلام عليكم

1 يوليو 2001م

 



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by